يبدو من السهل جدا أن نتكلم عن صناعة المحتوى العربي خصوصا في بلداننا العربية، فنحن أصحاب هذه اللغة كما ندعي، وندين لها بالفضل والانتماء.
لكنني أظن أنك قد اطلعت يوما على محتويات عربية لا تحمل بين طياتها طابع الجمالية التي عهدناها في اللغة الأم، وسألت نفسك حينئذ: مالذي طرأ على اللغة العربية حقا؟ وكيف يكون المحتوى العربي محتوىً ناجحا و لائقا باللغة الأم؟ ولهذا السبب قمت بإنشاء هذا المقال والذي سوف اتحدث فيه عن كل مما يلي:
- كيف تكتب محتوى عربيا ناجحا؟
- صناعة المحتوى العربي للمبتدئين
- تحديات صناعة المحتوى العربي
- مقترحات فردية لإثراء المحتوى العربي
كيف تكتب محتوى عربيا ناجحا؟
إليك هذه النصائح لكتابة محتوى عربي ناجح:
أولاً الإلمام بقواعد اللغة
لا أقصد بالإلمام أن تكون أحد أحفادَ المتنبي، ولا الخليل، ولا سيبويه، الإلمام هنا أن تستطيع كتابة شيء سليم إلى حدٍ ما، فلا ترفع ما استحق النصب، ولا تنون ما استحق المنع من الصرف، الإلمام أن تضع كل شيء في مكانه، من غير إفراط ولا تفريط.
لم يعد الأمر صعبا كما كان في السابق، فقد كنتَ مضطرا فيما مضى أن تمر بألفية ابن مالك وما شابهها لتكونَ عارفا باللغة، كل ما عليك الآن أن تضغط زرا واحدا لتجد أمامك العديد من الخيارات المتاحة.
ثانياً القراءة السليمة
نعم، أول مفتاح للكتابة السليمة في اللغة العربية هو القراءة الصحيحة المتكررة، وأقصد بذلك، قراءة تلك الكتابات العربية الفصيحة، المدققة والصحيحة، التي تخرج بعد قراءتها بكم هائل من المصطلحات والمعاني، قراءتنا لبعض الأعمال المترجمة وتدوينات الأصدقاء لا تجعل منا كُتابا! خصوصا أن العربية سريعة التأثر بالسياقات الخارجية، فما تقرؤه ينعكس على طريقة كتابتك.
ثالثاً أن يندرج تحت بند المحتوى
المحتوى العربي قبل أن يكون عربيا فهو محتوى ينطبق عليه ما تعرضنا له في المقالات السابقة عن المحتوى بصفة عامة، راجع مقالة صناعة المحتوى التسويقي من هنا.
اقرأ أيضاً : إنشاء المحتوى
رابعاً إيجاد التوازن في طريقة الكتابة
كثير من المدونين، لا يميزون بين التدوين وصناعة المحتوى!
حين تصنع أي محتوى لجمهور ما، فأنت مجبر أن تكتب بلغة فصيحة وفي نفس الوقت قريبة لذهن المتلقي، فليس حسنا، بل معيبا؛ أن تكتب للناطقين بالعربية بنفس المستوى الذي تكتب به للأجانب، وليسَ مقبولا أن تُنزلَ الأساليب الصعبة المقتبسة من المعلقات وتنثرها بين الناس في مجال صناعة المحتوى. وهذا يقودنا إلى النقطة الخامسة
خامساً العربية الفصيحة ليست هي العربية الممتنعة عن الفهم
نعم، فالغرض من صناعة المحتوى العربي هو الإفهام! فإذا كنت تود حقا أن تكتب بأسلوبك، لنفسك، فما الغاية من الكتابة إذن؟
سادساً لا تعتمد على ترجمة جوجل
ابتعد عن الاعتماد على مترجم جوجل من أجل كتابة مقالاتك أو صناعة المحتوى، لكل لغة نسقها التركيبي الذي تتميز به، لا يمكنك أن تكتب اللغة الإنجليزية بنفس الطريقة التي تكتب بها العربية.
سابعاً دع القيادة للغة العربية
من جمالية اللغة العربية أنها تعطيك مساحة واسعة للإبداع، فبمجرد اطلاعك على أساليبها ومعرفتك بقواعدها، يبدأ أسلوبك الكتابي بالظهور والتطور شيئا فشيء، فقط ثق في نفسك وقدراتك ولا تحاول أن تقلد أسلوب شخص ما. تفرد!
ثامناً ابتعد عن الكتابة الخاطئة
صحيح أن صانع المحتوى يكتب لجمهوره المستهدف، حيث يكتب بالأسلوب الذي يفهمه جمهوره غالبا، لكن هذا لا يعني أن نكتب بشكل خاطئ غير فصيح البتة، أو بالعامية الشبيهة بالعربية. للعامية مكانها، و للعربية مكان آخر.
تاسعاً نجاح المحتوى من نوع المحتوى
نجاح المحتوى العربي، متعلق بنوع المحتوى، وجودة اللغة واستعداد الجمهور لهذا المحتوى، لذلك قبل أن تروج للمحتوى، تأكد أنّ الفئة التي تستهدفها مهتمة بالمحتوى العربي في الأصل وترحب بفكرة هذا الطرح.
صناعة المحتوى للمبتدئين
قبل أن تبدأ في الاستثمار في صناعة المحتوى العربي، سيكون من الجيد أن تقوم بتخطيط المحتوى الذي سوف تنشئه، إليك أهم الخطوات لصناعة المحتوى العربي:
الخطوة الأولى:
القيام باستقراء شبه كامل عن المحتوى الرائج في المنطقة التي تودّ استهدافها، حتى لاَ تأتيَ بشيء قديم، مستهلك أو مكرر. ووضع خريطة واضحة أمامك عن خط سير المحتوى وَطريقة تفاعل الجمهور معه.
الخطوة الثانية:
أن تدرسَ الأسئلة التي يطرحها جمهوركَ للتعرف على شخصية هذا الجمهور والذي يطلق عليها أحياناً شخصية المشتري، تعد هذه الخطوة من أهم الخطوات في صناعة المحتوى، و من المواقع المفيدة في هذا المجال مؤشرات جوجل أو Google trends. يقدم لك هذا الموقع إحصائيات متجددة عن آخر ما بحث عنه المستهلكين في منطقتك، وما يثير فضولهم اليومي.
ومن الطرق الأخرى الناجحة أيضاً، التواصل المباشر مع المستهلكين عن طريق الاستبيانات، لكن هذه الطريقة موجهة للعميل المخلص الذي كسبت إخلاصه للعلامة التجارية (البراند أو الفكرة)، لأن معظم الناس لا يملكون وقتا كافيا للإجابة عن الاستبيانات.
الخطوة الثالثة:
بعد اختيار فكرتك، ستبدأ في البحث عن المحتوى الذي تعرض للفكرة من قبلك، وقراءة أكبر عدد ممكن من المقالات التي تحدثت عنها، ثم امنح نفسك قليلا من الوقت لترتيب كل ما قرأته وربطه بالعلم الذي تملكه، لتستطيع أن تبتكر شيئا خاصا بك و بأسلوبك.
الخطوة الرابعة:
اتبع قاعدة ٨٠/٢٠ الشهيرة، حيث تقوم هذه القاعدة على مبدأ واضح، وهو أن ٨٠% من المحتوى يجب أن يكون موجها للجمهور، اهتماماتهم، أسئلتهم، وما يطمحون إليه. و ٢٠% فقط من المحتوى هو ما تملك لتصرّح به عن العلامة التجارية (البراند) الذي تروج له.
خصوصا حين تعتمد وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة للترويج، فالناس بكل بساطة لا يلجون كل تلك الفضاءات ليتفاعلوا مع العلامة التجارية (البراند) الخاصة بك، وسائل التواصل بكل بساطة خي مساحات تواصلية، وحسب تقرير قدمته Global Web Index، فإن المحتوى الفكاهي هوَ السبب الأول الذي يدفع الناس لولوج مواقع التواصل الاجتماعي.
للأسف اليوم اصبحنا نشهد العكس، فرغبة الناس بالربح السريع جعلهم يعكسون القاعدة ويتحدثون بكثرة عن العلامة التجارية دون النظر لاهتمامات ومتطلبات الجمهور المستهدف.
الخطوة الخامسة:
اختيار العنوان المناسب، بحسب الدراسات فإن ثمانية من أصل عشرة أشخاص يقرأون عنوان المقال وشخصان فقط من يقرأون المقال كاملا! وهذا يقودنا لاستيعاب أهمية العنوان وبالتالي اختيار عنوان لائق وجذاب، وأفضل طريقة لفعل ذلك هي أن تكتب أكثر من عنوان واحد ومن ثم الترجيح بينهم فيما بعد.
بامكانك الاستعانة بأصحاب الخبرة في هذا الاختيار.
*تذكر عزيزي أن النجاحات الكبرى تحتاج إلى الوقت، فلا تتسرع!
تحديات صناعة المحتوى العربي
رغم أهمية اللغة العربية التي يحتوي قاموسها على أكثر من ١٣ مليون كلمة، ويتحدث بها أكثر من ٤٢٢ مليون شخص حول العالم، ولها يوم دولي يحتفى بها كما أنها إحدى اللغات الرسمية للأمم المتحدة، مع ذلك فإن حضورها الإلكتروني يكاد يكون ضئيلاً للغاية، وغالبا ما يكون ذلك الحضور مبهما غير مرتب أو موجه لهدف معين.
معظم الدراسات الصادرة في هذا الباب تؤكد أن نسبة المحتوى العربي لا تتناسب مع أهمية اللغة التي يشاد بها، فقد أشار تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن المحتوى العربي على الإنترنت لا يمثل سوى ٥ بالمائة من إجمالي المحتوى العالمي، وهذا راجع إلى بعض الأسباب التالية:
لماذا المحتوى العربي ضعيف
١- تراجع الإنجازات العلمية: المحتوى هو طريقة من طرق التعبير باللغة، ومتى كانت اللغة قوية في حد ذاتها قويَ السياق التابع لها، فتراجع الدراسات والأبحاث العلمية التي تكتب بالعربية في شتى المجالات العلمية والأدبية، سبب رئيسي لعدم وجود محتوى عربي متين.
٢- ضعف خدمات الترجمة: على سبيل المثال، لاحظتُ أن معظم الكتب التي تتحدث عن صناعة المحتوى هي كتب بلغات أخرى، ولا يتم ترجمة أي كتاب أو مقالة إلا بعد فترة من الزمان (سنة أو سنتان)، حين يكون الدهرُ قد ولى على المعلومات التي تحتويها هذه الكتب والمقالات وجعلها قديمة ومستهلكة.
٣- قلة المبادرات التي تدعو للنهوض بالمحتوى العربي: صحيح أننا نجد الكثير من الجهود مثل مبادرة فريق ويكيبيديا العربية الذي يسعى لزيادة رصيد المقالات والمعلومات العربية الموثقة بالمصادر لمن يحتاجها.
إلا أن نسبة المحتوى العربي في الويكيبيديا لا يتعدى الـ ١٪ حيث تضم ٣٣٧٠٠٠ مقالة و ٤٠٠ ألف مستخدم مسجل إلى يومنا هذا، وتشير التقارير إلى أن النسخة العربية من ويكيبيديا تأتي في المرتبة السادسة والعشرون، للأسف.
بالإضافة إلى أن معظم المبادرات هي مبادرات فردية، أي أنها لا تصدر من الحكومات والمؤسسات الكبرى، بشكل دائم.
النهوض بالمحتوى العربي ليس شعارا نردده في اليوم العالمي للغة فقط، ولكن عن طريق وضع هدف واضح ومشروع دقيق لا يتوقف إلا حين الوصول إلى مبتغاه.
*مازلنا نحتاج إلى الكثير من الجهد والمزيد من المحتوى العربي.
٤- استخدام الصيغ الانجليزية كما هي: لاحظت أثناء كتابة أطروحة الدكتوراه الخاصة بي، أن بعض المصطلحات العلمية ام ادخالها للغة العربية بنفس صيغتها الإنجليزية ولم يحاول الباحثون العرب إيجاد صيغة عربية مناسبة، وعند محاولة إيجاد معنى للمصطلحات الانجليزية لن تصل إلى غايتك لأن معظمها معربّ دون سياق ثابت في اللغة العربية.
٥- تراجع القدرة على التعبير باللغة العربية: سواء في مجال صناعة المحتوى التسويقي أو الدراسات والأبحاث العلمية، الكثير من الناس يشككون في قدرة هذه اللغة على النهوض والتجدد، صحيح أنك قد تواجه فئة كبيرة من متابعيك لا يفضلون أبدا القراءة باللغة العربية، إلا أن التحدي الأكبر هو تغيير وجهة نظر هؤلاء وكسب ولاءهم والذي سيكون ولاءً غير مباشر للغة العربية.
قبل كتابتي لهذه المقالة، تواصلت مع أكثر من أربعين شخصا أجنبيا من أصحاب الخبرات العلمية في مجالات متعددة، وقد أبدوا استعدادً جميلا لتعريب كل الخبرات التي يمتلكونها وصناعة محتوى لائق ، لكن التحدي الذي لا زلنا نواجهه هو طريقة التعليم والتي ترسم حواجزَ في طريق هؤلاء الذين يريدون إتقان اللغة.
بصفتنا أفراد نؤمن بضرورة النهوض بالمحتوى العربي، خصوصا المحتوى الرقمي ليكون متاحا للجميع يجب علينا إثراء الانترنت بلغتنا الحبيبة وبالطريقة الصحيحة، آملين أن نحقق ما نصبو إليه يوما ما.
مقترحات لإثراء المحتوى العربي
إذا كنت تتساءل كيف اثري المحتوى العربي؟ أو كيف اساهم في اثراء المحتوى العربي؟ إليك بعض الاقتراحات لإثراء المحتوى العربي على الانترنت:
١- ابدأ الآن و استعن بشخص يقيم لك أسلوبك في الكتابة، وَطور مهاراتك لتكون العربية التي تصنع بها المحتوى، عربية متقنة وسليمة.
٢- نظم أفكاركَ، وقم بإنشاء مدونتك الآن، و ابدأ في كتابة أشياء قيمة.
اقرأ أيضاً: كيفية إنشاء مدونة عبر بلوجر
اقرأ أيضاً: كيفية إنشاء مدونة عبر تمبلر
اقرأ أيضاً: كيفية إنشاء مدونة عبر ووردبريس
٣- إذا كنتَ تتقن أي لغة أجنبية ثانية، حاول أن تعرب المحتوى الرقمي ليكون متاحا باللغة العربية.
٤- إذا كنتَ صانع محتوى إبداعي، بادر بتعريف جمهورك بأهمية المحتوى العربي وضرورة النهوض به.
٥- ساهم في ويكيبيديا العربية عن طريق كتابة مقالات علمية في المجال الذي تنقصنا فيه الخبرات.
٦- لكل منا مهارة يتقنها، عرف الناس بمهاراتك بالعربي..
٧- ساهم في تعريب المواقع التي تفتقر إلى نسختها العربية.
٨- لا تنسَ المحتوى المرئي (اليوتيب مثلا)، خصوصا أننا شهدنا في الآونة الأخيرة مبادرات فردية جميلة بهذا الشأن.
٩- انضم للمبادرات الشبابية التي تهتم بهذا الموضوع وساهم بقدر المستطاع.
١٠- مساعدة غير الناطقين في تعلم اللغة العربية بشكل سلس وجميل، بعيداً عن الانطباعات الأولية حول اللغة العربية وعن استحالة إتقان اللغة وصعوبة ذلك.كيف؟
عن طريق إنشاء منصات تعليمية، أو فيديوهات، أو محتوى مصور أو رقمي.
١١- التنوع في عرض المحتوى العربي:
- مرئي: صور، رسومات، فيديوهات و الانفوجرافيك وما إلى ذلك خصوصا أن ٦٥% من الأشخاص يتعلمون بصرياً، وأن ٩٠% من المعلومات التي يتلقاها الدماغ هي معلومات بصرية.
- مصور: رغم أنها شكل من أشكال المحتوى المرئي إلا أنني أفردتها هنا لأهميتها، خصوصا الصور المحترفة التي تختزل المعاني، وقد شهدنا هذه السنة بعض المؤلفات المصورة التي تستخدم التعليق على الصور في سرد القصص.
- مكتوب: ترجمات، مقالات، قصص، روايات، أبحاث علمية..
- صوتي: كتب مسجلة، قصص، مدونات صوتية (بودكاست)…إلخ
الاسئلة الشائعة
بحسب موقع Statista فإن نسبة المحتوى العربي على الانترنت لا تتجاوز ال ٥،٢٪ 
المحتوى العربي هو كل النصوص والكتابات وكافة أشكال المحتوى المتواجدة في فضاء الانترنت باللغة العربية
ينقص المحتوى العربي على الانترنت العديد من الأشياء إليك أهمها:
– البحوث والانجازات العلمية باللغة العربية
– المقالات العلمية بلغة عربية سليمة
– مواقع العلوم بلغة عربية متخصصة
– الدراسات الجامعية باللغة العربية
– المحتوى التقني
– المحتوى التعليمي
هناك اسباب عدة لضعف المحتوى العربي على الانترنت، إليك أهمها:
– عدم استخدام العرب للغة العربية على الانترنت واستبدالها بلغات أخرى
– تعدد واختلاف اللهجات العربية مما يؤدي إلى قلة الانتشار
– ضعف خدمات الترجمة
– قلة المبادرات التي تدعو للنهوض بالمحتوى العربي
– تراجع الإنجازات العلمية للمتحدثين باللغة العربية بشكل عام
– تراجع القدرة على التعبير باللغة العربية
– استخدام الصيغ الانجليزية كما هي بدلاً من تعريبها
– تراجع مقدار الاعتزاز باللغة العربية
– توجه الأهالي نحو تعليم ابناءهم للغات اجنبية أخرى
– قلة المراجع العربية
– عدم الاكتراث بصناعة المحتوى العربي
– تهميش اللغة العربية في بعض البلدان العربية 
ختاما، نعلمُ جميعا أن النهوض بالمحتوى العربي ليس شيئا سهلا نستطيع فعله بين ليلة وضحاها، لكننا على الأقل سنحاولُ أن نخطوَ خطوة اتجاهَ ما نطمح إليه، آملين أن نبلغ الغاية يوما ما..
هل لديك اقتراحات أخرى؟ شاركنا بها:
